يُعدّ فتحي الهداوي واحدًا من أبرز أعلام الفن التونسي، الذين تركوا بصمة لا تُمحى في الذاكرة الثقافية للمجتمع. فنانٌ شامخٌ بموهبته، متنوعٌ في أدائه، عميقٌ في تعابيره، وصادقٌ في تجسيده للشخصيات التي لعبها على المسرح، في السينما، وعلى الشاشة الصغيرة.
برحيله، فقدت تونس أحد رموزها الفنية الذين ساهموا في إثراء الحركة الثقافية لعقود.
النشأة والبدايات :
وُلد فتحي الهداوي في 2 ديسمبر 1961 بالعاصمة تونس. ومنذ سنوات شبابه الأولى، أبدى اهتمامًا بالفن والتمثيل، حيث كان مولعًا بالمسرح ومفتونًا بقوته التعبيرية.
التحق بالمعهد العالي للفن المسرحي بتونس، وهناك صقلت موهبته على أيدي كبار المخرجين والمدرّسين، ليبدأ بعد التخرج رحلة فنية طويلة ومتميزة.
مسيرة مسرحية غنية :
يُعتبر المسرح القاعدة التي انطلق منها الهداوي نحو النجومية.
شارك في عدة أعمال مسرحية جسّد فيها أدوارًا معقدة وعميقة، برع في تقمصها بصدق وعفوية.
ومن أشهر أعماله المسرحية نذكر :
عمار بالزور
السلطنة
رؤى الطائر
روميو وجولييت (نسخة تونسية معاصرة)
تميز أداؤه المسرحي بالقوة والاندماج الكامل في الشخصية، مما جعله يحظى باحترام النقاد والجمهور على حد سواء.
نجم الدراما التلفزيونية :
عرفه الجمهور التونسي والعربي من خلال أدواره المميزة في عدد من المسلسلات التونسية الناجحة، منها:
صيد الريم
الدوامة
غالية
المايسترو
نوبة
أولاد مفيدة
كان الهداوي ممثلًا يبحث عن التحدي في كل دور، وينتقي شخصيات تحمل عمقًا إنسانيًا واجتماعيًا.
أداؤه القوي وقدرته على التأثير في المشاهد جعلاه من الوجوه المحبوبة في الساحة الدرامية.
السينما التونسية والعربية :
شارك فتحي الهداوي في عدد من الأفلام التونسية والعربية، حيث تعاون مع كبار المخرجين مثل فريد بوغدير ونوري بوزيد.
من أبرز أعماله السينمائية:
صمت القصور
عرس القمر
بندر بغداد
تميزت مشاركاته السينمائية بالجرأة والوعي بالقضايا المطروحة، حيث لم يتردد في اختيار أدوار تُناقش هموم المجتمع وتضع المشاهد أمام أسئلة وجودية وإنسانية.
شخصية مثقفة وإنسانية :
لم يكن الهداوي مجرد فنان يؤدي أدوارًا، بل كان مثقفًا واعيًا، متابعًا للشأن العام، ومؤمنًا بدور الفن في التغيير والإصلاح.
كان يحضر في الندوات الثقافية، يشارك في الحوار المجتمعي، ويعبّر عن آرائه بجرأة وصدق.
كما كانت له مشاركات إعلامية وثقافية قيّمة، ساهم من خلالها في نشر الفكر والفن الهادف.
وفاته ووقعها في الوسط الفني :
في عام 2024، فُجعت الساحة الفنية التونسية بخبر وفاة فتحي الهداوي.
وقد خلّف رحيله حزنًا عميقًا في نفوس زملائه ومحبيه، الذين عبّروا عن ألمهم لفقدان "قامة فنية ووطنية".
نعاه الفنانون والمثقفون والسياسيون، وأجمعوا على أن تونس فقدت رجلًا أحبها وأحبته، وعمل طوال حياته من أجل أن يرتقي بذوقها الفني والثقافي.
إرث لا يُنسى :
ترك فتحي الهداوي إرثًا فنيًا غنيًا، سيبقى حيًا في ذاكرة الأجيال.
أعماله ستظل تُعرض وتُدرّس، وأداؤه سيبقى مصدر إلهام لكل من يطمح إلى خوض غمار التمثيل بصدق وحب.
لقد جسّد الهداوي المعنى الحقيقي للفنان الملتزم، فكان صوته صوت الشعب، ووجدانه وجدان الإنسان الباحث عن الحرية والجمال.
رحيل مؤلم وصدمة في الوسط الفني :
شكّل رحيل الفنان فتحي الهداوي يوم 12 ديسمبر 2024 صدمة عميقة في الأوساط الثقافية والفنية التونسية والعربية.
غادر الدنيا بهدوء، لكن أثره ظلّ مدويًا في قلوب محبيه وزملائه.
خبر وفاته انتشر بسرعة، وتحوّلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي إلى فضاء للحزن والرثاء، حيث عبّر الفنانون والمثقفون والمواطنون عن ألمهم الشديد لفقدان قامة فنية وإنسانية استثنائية.
وزارة الشؤون الثقافية نعت الراحل بكلمات مؤثرة، واصفة إياه بأنه "أحد رموز الدراما والمسرح في تونس، وفنان ملتزم قدّم حياته لخدمة الفن والإبداع".
كما أُقيمت له جنازة مهيبة حضرها فنانون، سياسيون، ومواطنون من مختلف الأجيال، تقديرًا لما قدّمه من عطاء فني وثقافي.
لم يكن فتحي الهداوي مجرد ممثل، بل كان مدرسة في الأداء وأبًا روحيًا لجيل كامل من الفنانين الشبان.
غيابه ترك فراغًا كبيرًا في الساحة الفنية، لكن إرثه سيظلّ حيًا في الأعمال التي قدّمها، وفي ذاكرة كل من عرفه عن قرب أو تابع أعماله.