الفنان الشعبي فوزي بن قمرة : مسيرة فنية مختلفة وتحوّلات لافتة


فوزي بن قمرة، اسمٌ ظلّ لسنوات طويلة حاضرًا بقوة في الساحة الفنية التونسية، خاصةً في مجال الأغنية الشعبية. 
صوته المميّز، حضوره القوي، وقدرته على ملامسة وجدان الناس، جعلت منه واحدًا من أبرز نجوم "المزود"، وهو اللون الموسيقي الشعبي الذي يعبّر عن الوجدان التونسي، بكل ما فيه من فرح وحزن وتحديات الحياة اليومية.

البدايات: من الأحياء الشعبية إلى النجومية

ولد فوزي بن قمرة ونشأ في أوساط شعبية بسيطة، الأمر الذي جعله قريبًا من هموم الناس وتطلعاتهم. 
منذ شبابه، أظهر اهتمامًا كبيرًا بالموسيقى، وكان حلمه أن يصبح فنانًا معروفًا.
 بدأ مشواره في الأعراس والمناسبات، حيث كان يحيي حفلات محلية بصوته القوي وأدائه الحماسي.
 لم يلبث أن ذاع صيته، خصوصًا في الأحياء الشعبية والأسواق، ليصبح اسمه معروفًا لدى جمهور واسع يبحث عن فن صادق وأصيل.

نجم المزود :

في تسعينات القرن الماضي، عرف فوزي بن قمرة قفزة نوعية في مسيرته، حين أصبح أحد أبرز وجوه فن الميزود في تونس. 
أصدر مجموعة من الأغاني التي انتشرت بسرعة، وكان جمهوره يردد كلماته في كل المناسبات.
 أغانيه عبّرت عن مشاعر الناس البسطاء، وتناولت مواضيع مثل الحب، الفقر، والتضحية، بلغة بسيطة وعميقة في آن واحد.
صوته القوي، وآداؤه المليء بالعاطفة، جعلاه محبوبًا من قبل فئة واسعة من الشباب والكهول على حد سواء.
 لم يكن مجرد مغنٍ بل كان ظاهرة اجتماعية تعكس نبض الشارع التونسي.

التحوّل المفاجئ :
في السنوات الأخيرة، فاجأ فوزي بن قمرة جمهوره بتحوّله التدريجي وقراره بالابتعاد عن عالم الفن. 
لم يكن السبب واضحًا للجميع في البداية، لكن مع مرور الوقت، ظهر بن قمرة في بعض المناسبات العامة بلباس مختلف، وكلام مختلف، وأسلوب حياة يبدو أكثر هدوءًا وتأملًا.
وقد صرّح في أكثر من مناسبة أنه اختار التقرّب إلى الدين، وأنه لم يعد يشعر بالراحة في الوسط الفني.
 هذا التحوّل لقي ردود فعل مختلفة: منهم من احترم قراره واعتبره شجاعًا، ومنهم من عبّر عن خيبة أمله لأنهم كانوا يتمنّون استمرار عطائه الفني.

ابتعاده عن الأضواء لفترة :
رغم ابتعاده عن الأضواء لفترة، ظلّ اسم فوزي بن قمرة حاضرًا في ذاكرة الجمهور.
 كثيرون ظلوا يستمعون لأغانيه القديمة بشغف وحنين، ويتداولون مقاطعه المصوّرة على وسائل التواصل الاجتماعي. 
لقد استطاع أن يترك بصمة قوية يصعب نسيانها، وهو ما جعل البعض يصفه بـ"الظاهرة" في تاريخ الأغنية الشعبية التونسية.

العودة للفن :
عاد الفنان التونسي فوزي بن قمرة إلى الساحة الفنية بعد فترة من الغياب، حيث أعلن في فيفري 2022 عن استعداده لطرح أغنية شعبية جديدة، مؤكدًا أنه غيّر نوعية الأغاني التي يقدمها، مع حرصه على تقديم "الأغاني الراقية" منذ بداياته، حتى وإن اضطر إلى تعديل بعض الكلمات لتحقيق ذلك.  
في تصريحات إعلامية، أوضح بن قمرة أنه خلال السنوات الماضية، أعاد أداء أغانيه القديمة التي لا تزال تلقى تفاعلًا كبيرًا من الجمهور، مما جعله يتردد في إنتاج أعمال جديدة. وأشار إلى أنه يعمل حاليًا على مشاريع غنائية جديدة.

تجدر الإشارة إلى أن فوزي بن قمرة كان قد اعتزل الفن الشعبي لأسباب دينية بعد أدائه لمناسك العمرة في عام 2001، وركز بعدها على الإنشاد الديني. 
 إلا أن عودته الأخيرة إلى الأغاني الشعبية أثارت جدلاً واسعًا، حيث انتقده البعض واعتبروا ذلك تناقضًا مع مواقفه السابقة، بينما رحب آخرون بعودته، معتبرين أن الفن الشعبي جزء من الهوية الثقافية التونسية.  
يُذكر أن بن قمرة أكد في تصريحات سابقة أنه لا يمانع في التعاون مع فنانين مثل سامي اللجمي أو محمد بوذينة، مشيرًا إلى أنه يرحب بأي عمل يضيف له فنيًا، دون أن يكون لديه "ناموس النجومية".  

إرث فني لا يُنسى :
سواء اتفقت معه أو اختلفت، لا يمكن إنكار أن فوزي بن قمرة ساهم في تشكيل جزء من الذاكرة الموسيقية في تونس.
 لديه رصيدًا من الأغاني التي تردد في الأفراح والمناسبات، وأثر في أجيال كاملة من محبّي الفن الشعبي.
تعليقات