قصة “ريّان دقاز” ليست مجرّد نجاح أكاديمي، بل درس عميق في الصبر، والإرادة، والإيمان بالقدرات.
في زمن تكثر فيه الأعذار، جاء الشاب التونسي ريان ليقول "لا شيء مستحيل أمام من يؤمن بالعلم، ويثابر من أجل حلمه".
بينما كان يستعد ريّان دقّاز لدخول المرحلة الثانوية منذ نحو اثني عشر عامًا، تغيّرت حياتُه فجأة : فقد بصره بالكامل، ليتحوّل من تلميذ مبصّر يعيش الروتين المدرسي العادي إلى شاب يخوض معركةً مزدوجة : الأولى مع التأقلم النفسي والاجتماعي لِفقد البصر، والثانية مع تحدّي التعليم الجامعي والتخصص الأكاديمي في مجال القانون.
لكن رغم كثافة التحدّيات، اختار ريّان أن يضع لنفسه هدفًا واضحًا : إتمام مساره الدراسي وتحقيق شهادة متقدّمة في القانون، لا مجرد اجتياز امتحانات بل الارتقاء نحو مستوى الماجستير، متخصّصًا في القانون العام.
وهو ما نجح فيه بجدارة، محققًا أوليّة لفاقد البصر في تونس بحصوله على شهادة الماجستير في القانون العام، ومن ثمّ اجتيازه مناظرة الالتحاق بمهنة المحاماة (أي التأهل للمعهد الأعلى للمحاماة) بنجاح.
على المستوى الشخصي، يحمل هذا الإنجاز دلالات عميقة: هو انتصار لإرادة إنسانية حيث لم يستسلم أمام فقدانه للبصر، لكنه وظّفها كمنطلق لنجاح دراسي ومهني، مبدّلًا ما يمكن أن يكون قيْدًا إلى منطلق.
لقد وفّق ريّان بفضل دعم أسرته، أصدقائه، مستخدِمًا تقنيات مساعِدة مثل الملفات بصيغة PDF القابلة للتحويل إلى نصوص مسموعة، وبتأقلمٍ تدريجي داخلي بين التخلّص من الأمس المؤلم والانطلاق نحو اليوم الذي اختاره بنفسه.
وعلى الصعيد المجتمعي، فإنّ إنجاز ريّان لا ينتهي عند حدّ الشخصي : فهو يطرح أسئلة حيوية حول مدى جاهزية الجامعات التونسية وخاصة كليات الحقوق لتوفير شروط تكافؤ الفرص لذوي الإعاقة البصرية، من حيث المراجع العلمية بلغاتٍ أو تقنيات ملائمة، ومن حيث الدعم اللوجستي والمرافقة خلال الامتحانات.
كما يرسل رسالةً قوية إلى سوق العمل ، وهي أن ذوي الإعاقة قادرون على المنافسة وإنجاز أعلى الدرجات الأكاديمية، وأن التخصّصات "الصعبة" كالقانون العام والمناصب القانونية المفتوحة أمام المحاماة ليست حكراً على المبصرين أو السهلي الوصول.
وأن ليس الكفيف من فقد البصر، بل من أطفأ نور الطموح داخله.
كما أن تتويجه مستحق لمسيرة من الجدّ والاجتهاد، ودليل حي على أن الإصرار والعزيمة يصنعان الفرق.
ويقول ريان الذي يبلغ 26 عاماً :"اختتمت السنة الجامعية الحالية بتحقيق جزء من حلمي الذي لاحقته طويلاً رغم فقدان بصري في سن مبكرة، وحصلت على شهادة الماجستير في القانون العام ونجحت في مناظرة المعهد الأعلى بالمحاماة في غضون عام واحد".
مضيفاً أنّ وصوله لمرحلة الماجستير كان ثمرة جهد سنوات كانت فيها عائلته والبعض من أصدقائه سنداً له، وذلّلوا له طريق النجاح لتوفير المراجع والدروس اللازمة.
ويعتبر الشاب العشريني أن من أصعب التحديات التي يمكن أن تواجه فاقدي البصر في مسارهم العلمي هو توفير المراجع العلمية، سواء بلغة برايل أو بتقنية بي دي أف القابلة للتحويل عبر التطبيقات المتخصّصة في مساعدة فاقدي البصر، مضيفاً “خلال المرحلة الثانوية كانت إدارة المعهد توفر لي مُرافقاً لكتابة الدروس وتلاوتها، لكن الأمر تغيّر عندما دخلت الجامعة إذ كنت مُطالَباً بالتعويل على نفسي والتأقلم مع الحياة الجامعية”.
إضافة إلى تحدي التأقلم مع الحياة الجامعية، وضَعَ لنفسه تحدياً آخر بالتخصص في القانون العام والنجاح في مناظرة دخول المعهد الأعلى للمحاماة، قائلاً : “أغلب الناجحين في مناظرة المعهد الأعلى للمحاماة هم من شعبة القانون الخاص، لكنّني كنت أبحث عن التميز ووضع أهداف صعبة، حتى أثبت لفاقدي البصر أن العزيمة والمثابرة هما الطريق إلى النجاح مهما كانت العقبات”.
وأضاف قائلا :" كنت أعتمد على بعض الأصدقاء لمساعدتي على التنقل إلى الجامعة وكتابة الدروس وبعض المراجع القانونية التي أحتاجها وهم شركاء في نجاحي طوال مسيرتي الجامعية".
