في مشهد مثير ومشرّف للثقافة التونسية، ظهرت شقيقتان توأمان من تونس باسمَيْهما بيسان وبيلسان كوكة، لتكونا رمزًا ملهمًا للمطالعة والتميّز في سنّ صغيرة.
حيث فاز التوأم التونسي الذي يدرس في السنة السادسة من التعليم الابتدائي بمدرسة 8 فيفري 1958 في ساقية سيدي يوسف من ولاية الكاف، بجائزة تحدي القراءة العربي، في دورته التاسعة خلال الحفل الختامي الذي أقيم يوم الخميس الماضي في مركز دبي التجاري العالمي.
وقد توّجهما الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
النشأة والخلفية العائلية :
ولدت بيسان وبيلسان في تونس، وتحديدًا في جهة الشمال الغربي، في ولاية الكاف، تحديدا في ساقية سيدي يوسف.
تنتمي العائلة إلى بيئة صغيرة نسبيّاً، حيث المدرسة الابتدائية التي ارتادتها الشقيقتان هي مدرسة 8 فيفري 1958 ساقية سيدي يوسف.
وتشير مصادر إعلامية إلى أن الأجواء العائلية كانت تشجّع على المطالعة : الأبوين كانا يدعمان فكرة أن الطفل يجب أن يُحضّر للقراءة، يعيش معها، يناقشها، وليس فقط يُقرأ بصمت.
هذا النوع من الدعم المبكّر يُعدّ جزءًا هامًا من رحلة التوأمين.
من الجدير بالذكر أن كون التوأم يُدرسان في السنة السادسة من التعليم الابتدائي في وقت تحقيق الإنجاز يدلّ على أن سنّهما صغير نسبياً، مما يجعل قصتهما أكثر لفتاً للإعجاب.
يمكن القول إن البيئة التي يعيشان بها قد شكّلت أرضية خصبة لانطلاقهما في مجال القراءة والتميّز.
البدايات في القراءة والتنافس :
بدأت الشقيقتان مسيرتهما القرائية مبكرًا، حيث قرّرتا قراءة عدد كبير من الكتب، وبدأتا بتلخيصها ومناقشتها بينهما.
هذا الأسلوب "القراءة ثم التلخيص والمناقشة" ، يعزّز الفهم ويحسّن التعبير الكتابي والشفهي، وهو ما ظهر لدى التوأم.
كما شاركتا في مراحل محلية من مسابقة تحدي القراءة العربي 2025، وفي المرحلة الوطنية تمّ اختيارهما لتمثيل تونس في النهائي الذي عُقد بدولة الإمارات العربية المتحدة.
عملية التحضير للمسابقة شملت ليس فقط قراءة عدد من الكتب، بل تدريبًا على العرض الشفهي أمام لجان التحكيم، وتلخيص الأفكار بطريقة منطقية، وإعداد اللغة العربية وهذه كلها مهارات متقدمة حتى لتلاميذ أكبر سنًّا.
الإنجاز والتتويج :
في يوم 23 أكتوبر 2025، أقيم الحفل الختامي لتحدي القراءة العربي في دبي بدولة الإمارات، حيث تمّ تكريم التوأم بيسان وبيلسان كوكة باعتبارهما «بطلتين» من تونس، بعد تفوقهما على آلاف التلاميذ من حوالي 50 دولة.
وحظيتا بتسليم الجوائز من يد محمد بن راشد آل مكتوم، مما أضفى على الحدث رمزيّة كبيرة.
المشاركة في النسخة التاسعة للمسابقة شهدت رقمًا قياسيًا : أكثر من 32 مليون تلميذ وتلميذة شاركوا في التصفيات من مختلف الدول.
وقد أصبح إنجازهما ليس إنجازًا شخصيًا أو محليًا فحسب، بل رمزًا متواصلًا لقدرة تونس على المنافسة الثقافية في المحافل العربية.
تحليل عوامل النجاح :
دعم البيئة
كما ذكرنا، الدعم العائلي والمدرسي من بدايات القراءة حتى التلخيص والمناقشة جعل المسار واضحًا ومنظّمًا. وجود المدرسة التي توفر الكتب والمكتبة العمومية، والمشرفة أو المعلمة التي تتابع التلميذتين، عنصر مهم.
التنظيم والتخطيط :
لم يكن الأمر مجرد "قراءة عشوائية" بل شاشة عمل : اختيارات للكتب، تسجيل الأفكار، تحضير العرض، مواجهة لجنة تحكيم.
هذا النوع من التخطيط يعزّز المهارة ويحول النشاط الفردي إلى مشروع.
مهارات العرض والتواصل :
في المنافسة، ليس عدد الكتب وحده هو المحدّد، بل كيفية التعبير عن الأفكار، القدرة على الحوار، على التلخيص، اللغة، الثقافة العامة. وهنا ظهر التوأم بمهارة متميّزة.
التنافس والتحفيز الخارجي :
المشاركة في مسابقة عربية واسعة تمنح الحافز؛ الجوائز، الإعلام، تمثيل تونس، كلها عوامل ترفع سقف التوقع وتدفع إلى الأداء الأعلى.
رمزية الإنجاز :
بالنظر إلى المشهد التونسي، حيث يُناقش ضعف عادة القراءة وضعف صناعة النشر، أصبح فوز التوأم بمثابة بشرى وأمل لجيل جديد.
الأبعاد الاجتماعية والتربوية :
قراءة الكتب كقوة ناعمة: لقد أثبت التوأم أن الكتاب ليس مجرّد ما يُقرأ في المدرسة، بل أداة لبناء شخصية متعلمة ومبدعة.
تمثيل الوطن :
حينما يمثل طفل أو مراهق جهة محلية أو بلداً كاملاً، يرتفع البُعد الرمزي للإنجاز: التوأم لم يفوزا لأنفسهما فقط، بل لاسم تونس.
رسالة للأجيال القادمة :
إن القصة تقول: ليس العمر عائقًا، وليس المكان (قرية أو بلدة صغيرة) عائقًا؛ المهم هو العزم، الدعم والبيئة المناسبة.
تحفيز المدارس والمجتمع :
عند فوز مثل هذه النماذج وتألقها وطنيا وعربيا، تُشجّع المؤسسات التعليمية والمجتمع على وضع القراءة ضمن أولوياتها، وتحسين المكتبات المدرسية والعمومية، وتحفيز التلاميذ على التحدّي والمعرفة.
مواجهة التحديات الرقمية :
في زمن تغلب فيه الشاشات والمحتويات السريعة، يُذكر هذا النجاح كمبادرة لإحياء عادة القراءة العميقة.
التحديات والفرص المستقبلية :
استمرارية الأداء: الفوز في هذا السنّ يُعدّ إنجازا، لكن الحفاظ على هذا المستوى والتطوّر منه إلى ما بعد المدرسة الابتدائية ربما يحتاج لتوجيه إضافي: متابعة، مضاعفة التحديات، وربما إشراك في مشاريع أكبر.
تنمية المهارات المتقدمة :
مثل الكتابة الإبداعية، بحوث صغيرة، المشاركة في مهرجانات مدرسيّة أو ثقافية، وربما ترجمة الكتب أو إعداد مقالات.
المشاركة المجتمعية :
يمكن أن تحوّلا تجربتهما إلى نموذج يُقدّمانه لزملائهما: تجمعات قرائية، ورش صغيرة في المدرسة أو في الجهة، لتحفيز الآخرين.
إن قصة التوأم بيسان وبيلسان كوكة ليست فقط عن فوز أو جائزة، بل قصة عن شغف، بيئة داعمة، عمل منتظم، وطموح مبكر.
إنهما مثال حي على أن القراءة ليست مجرد هواية، بل مسار بناء : بناء الذات، وبناء المجتمع.
وإن تونس، من خلالهما ومن خلال غيرهما من النماذج، تقول: نحن قادرون على تحقيق التميّز الثقافي، حتى من قلب المناطق الصغرى.
في ختام هذه المسيرة الملهمة، تظل قصة التوأم بيسان وبيلسان واحدة من أجمل القصص التي تُروى في سجلّ التميز التونسي والعربي، قصة تُجسد الإصرار، الذكاء، وحبّ المعرفة في أبهى صوره.
لقد أثبتتا أنّ التحدي لا يكون في الفوز بالجوائز فقط، بل في القدرة على الالتزام بالقراءة، والانفتاح على الفكر، وحمل رسالة الثقافة والمعرفة إلى الآخرين.
ففوزهما في تحدي القراءة العربي لم يكن محض صدفة، بل ثمرة جهدٍ متواصل، ودعم أسري وتربوي، وإيمان راسخ بأن الكتاب هو المفتاح الحقيقي لكل نجاح.
إنّ ما ميّز بيسان وبيلسان ليس فقط قدرتهما على قراءة مئات الكتب، بل أيضًا قدرتهما على الفهم والتحليل والنقاش بثقة ووعي يفوق سنّهما، وهو ما جعل لجنة التحكيم تنبهر بتفكيرهما الناضج وطريقتهما المعبّرة في إيصال الفكرة.
فهما لم تتعاملا مع القراءة كمجرّد هواية أو وسيلة للترفيه، بل كجسرٍ حقيقي نحو المعرفة، وسلاحٍ للتغيير الإيجابي في الذات والمجتمع.
ولعلّ الأجمل في قصتهما أنّهما لم تظهرا التنافس بينهما، بل تعاونًا متناغمًا يعبّر عن وحدة الفكر والروح، مما جعل فوزهما أكثر عمقًا وإنسانية.
لقد أصبحت بيسان وبيلسان اليوم رمزًا للجيل الجديد في تونس؛ جيلٍ لا يكتفي بما يقدّمه التعليم الرسمي، بل يسعى إلى توسيع آفاقه بالبحث والاطلاع والقراءة الحرّة. إنّهما تجسدان صورة الفتاة التونسية الطموحة، التي تُدرك منذ الصغر قيمة العلم وتؤمن بأن المعرفة ليست حكرًا على الكبار. وقد مثّل فوزهما في تحدي القراءة العربي لحظة فخر واعتزاز لكل التونسيين، لأنّه لم يكن انتصارًا شخصيًا فحسب، بل انتصارًا لثقافة القراءة والتنوير في مجتمع يسعى إلى الارتقاء والوعي.
كما أن تأثير بيسان وبيلسان تجاوز حدود المسابقة نفسها، فقد أصبحتا قدوة للآلاف من الأطفال والشباب العرب، الذين وجدوا في قصتهما دافعًا للاستمرار في المطالعة ومواجهة الصعوبات بثقة. قصتهما تُذكرنا بأن الكتاب ما زال حيًا، وأن القراءة قادرة على خلق جيلٍ جديدٍ من القادة والمبدعين والمفكرين. لقد حملتا مشعل الأمل وأثبتتا أن الاستثمار في القراءة هو استثمار في المستقبل.
إنّ تونس، من خلال بيسان وبيلسان، وجّهت رسالة للعالم مفادها أن الأمة التي تقرأ لا تموت، والمجتمع الذي يزرع حب الكتاب في أطفاله يزرع المستقبل في أرضه.
فالتوأم التونسيتان لم تفوزا فقط بتحدي القراءة، بل فازتا بقلوب الناس وإعجابهم واحترامهم، لما أظهرتاه من وعيٍ وإنسانية وتواضعٍ رغم التميّز.
وفي نهاية المطاف، يمكن القول إنّ قصة بيسان وبيلسان ليست مجرد نجاحٍ عابر، بل هي بذرة أمل تُزرع في عقول الأجيال الصاعدة، تؤكد أن الطريق إلى النجاح يبدأ بصفحات كتاب، وأن القراءة قادرة على صنع المعجزات متى ما وُجد الشغف الحقيقي.
هما اليوم عنوان لثقافة جديدة في تونس والعالم العربي، ثقافة ترى في الكلمة نورًا وفي المعرفة خلاصًا، لتبقى قصتهما شاهدًا خالدًا على أنّ العمر لا يُقاس بالسنوات، بل بما نزرعه من أثر ومعرفة في دروب الحياة.
