عادل السليمي : هدّاف تاريخي واسم محفور في تاريخ الكرة التونسية


في عالم كرة القدم التونسية، يبرز عادل السليمي كرمز متعدّد الوجوه: مهاجم هدّاف كلاعب، وخطّ قاطعة كشف كمدرب، هو شخص لا يقلّ لونًا عن ألوان البطولة التي دارت حوله. 
وُلد في حي الكرم في العاصمة تونس، وعاش طفولة هي مزيج من الشغف الكروي والانتماء القوي للوطن. 
منذ الأيام الأولى لارتدائه قميص النادي الإفريقي، لم يكن عبورًا عابرًا، بل كان انطلاقًا لمسيرة حمل فيها ثقافة التحدي والصدق والتواضع على حد سواء.
تحول هذا المهاجم الذي فجّر حماسة الجماهير إلى مدرب وطني قرّر أن يمنح الفرصة للجيل الجديد.
حيث قاد شباب تونس إلى محطّة تاريخية تمثّلت في بلوغ نهائيات كأس العالم تحت 20 سنة بعد غيابٍ دام 38 عامًا، مقدّمًا نموذجًا ورؤية جديدة للمدرب التونسي الحديث.

النشأة والبدايات

وُلد عادل السليمي في 18 مارس 1973 في الكرم، تونس العاصمة .
البدايات: نشأ محاطًا بكرة القدم، ومع شغفه المبكر، التحق بفريق النادي الإفريقي، حيث نشأ في أكاديميته وبدأ في خط المواجهات الأول الذي أظهر فيه قدرته التهديفية الملحوظة.

 مسيرته لاعبًا

البدايات والتألّق مع النادي الإفريقي :
انطلقت مسيرة عادل السليمي الاحترافية من النادي الإفريقي، أحد أعرق الأندية التونسية، حيث سطع نجمه سريعًا في خط الهجوم. 
أظهر مهارات تهديفية عالية، وكان يتمتّع بسرعة التحرك داخل منطقة الجزاء، إضافة إلى قدرته على التمرير وصناعة اللعب.
ساهم بقوة في تحقيق اللقب الإفريقي الأهم مع النادي عام 1991، وهو دوري أبطال إفريقيا، إلى جانب فوز الفريق بعدة بطولات محلية. 
خلال تلك الفترة، أصبح من الأسماء المحبوبة لدى جماهير "باب الجديد"، وبرز كأحد رموز الفريق في التسعينيات.

الحضور الدولي مع المنتخب :

حمل السليمي قميص المنتخب التونسي بفخر لسنوات طويلة. 
شارك في كأس الأمم الإفريقية عدة مرات، ولعب دورًا أساسيًا في بلوغ المنتخب لنهائيات كأس العالم 1998 بفرنسا و2002 بكوريا الجنوبية واليابان.
تميّز بروحه القتالية داخل الملعب، وسجّل أهدافًا حاسمة في تصفيات ومباريات مهمة.
برصيد 20 هدفًا دوليًا، يُعدّ من بين أبرز هدّافي نسور قرطاج عبر التاريخ.
وقد وصفه الكثير من زملائه بأنه “محارب هادئ”، يجمع بين الذكاء التكتيكي والقدرة على الحسم في الأوقات الصعبة.

 تجربة الاحتراف الأوروبي :

بعد تألقه المحلي، خاض السليمي تجربة احترافية ناجحة في أوروبا، بدأت مع نادي نانت الفرنسي، ثم انتقل إلى نادي ريال خائن الإسباني، قبل أن يبرز بشكل لافت مع نادي فرايبورغ الألماني.
في ألمانيا، كانت محطته الأهم، حيث لعب في الدوري الأقوى بدنيًا وتكتيكيًا في أوروبا، وتمكن من تسجيل 27 هدفًا في 108 مباريات مع الفريق، وهو رقم مميز للاعب عربي، جعل منه ثاني أفضل هداف عربي في تاريخ البوندسليغا بعد المصري محمد زيدان.
وقد لاقى أداءه استحسان الصحافة الألمانية، التي وصفته بالمهاجم الذكي وصاحب اللمسة الحاسمة.

 الانتقال للتدريب :

بعد اعتزاله اللعب، اختار السليمي مسار التدريب، بدايةً كمساعد في أندية تونسية مثل أمل قابس والنادي الإفريقي، قبل أن يشرع في تجاربه الخاصة كمدرب أول.
لكن التحول النوعي كان عند تعيينه على رأس المنتخب التونسي لأقل من 20 سنة، حيث نجح في بناء فريق متوازن، وحقق معه إنجازًا تاريخيًا بالتأهل إلى كأس العالم للشباب 2023 بعد غياب دام 38 عامًا.
هذا الإنجاز لم يكن فقط رياضيًا، بل شكّل أيضًا نقطة مفصلية في مسيرة السليمي، حيث برز كمدرّب يؤمن بالتكوين والانضباط، ويملك رؤية تطويرية لكرة القدم التونسية.

مع أمل قابس : بدأ مساره التدريبي مساعدًا مع أمل قابس (2006)، ثم قاده للصعود مع جندوبة الرياضية قبل أن يصبح مساعدًا في النادي الإفريقي موسم 2010-2011 .

المنصب الوطني: تمّ تعيينه مدربًا لمنتخب تونس تحت 20 عامًا، مقودًا لتحقيق إنجاز تاريخي بالتأهّل إلى نهائيات كأس العالم 2023 .

إقالة مفاجئة: رغم الإنجاز، تمّت إقالته في مارس 2023 وتعيين منتصر الوحيشي في مكانه .

 أسلوبه الفني ورؤيته

يرى السليمي أن ما يميّز كرة القدم هو الانضباط النفسي والجماعي، مع التركيز على تطوير الخطوط الدفاعية كما أكد .
دفعه تأهّل الشباب للمونديال للتعبير عن فخره:

 "شاركنا كمدرب بعد مشاركتي كلاعب في 1998 و2002… شرف كبير" .

بعد سقوطه أمام السنغال 3‑0، طالب اللاعبين بـ"تجميع أنفسهم"، واصفًا المباراة بـ"أعصاب في مواجهتها".
 وقد شدّد على أهمية الميدالية البرونزية في السيرة الذاتية للاعبين .

 التحديات والجدل :

واجه عادل السليمي خلال مسيرته التدريبية عدة انتقادات، خاصة أثناء قيادته لمنتخب تونس لأقل من 20 سنة.
من أبرز هذه الانتقادات تلك التي تعلّقت بأداء الفريق في بعض المباريات، حيث اتهمه البعض بضعف الخيارات التكتيكية، خصوصًا بعد الخسارة أمام منتخب غامبيا، ما دفعه إلى تقديم اعتذار علني للجماهير.
كما أثار غيابه عن التصريحات الإعلامية عقب مباراة التأهل إلى كأس العالم جدلًا بين المتابعين، إذ رأى البعض أن تلك اللحظة كانت تستحق تواجده وتواصله مع الجماهير ووسائل الإعلام، خاصة لما حملته من فرحة وطنية كبيرة.

 الإنجازات

كلاعب :
تُوّج مع النادي الإفريقي بلقب دوري أبطال إفريقيا سنة 1991، وهو إنجاز تاريخي للنادي والكرة التونسية.
أحرز أيضًا كأس السوبر الإفريقي (بطولة الإنتركونتيننتال) عام 1992، إضافة إلى عدة ألقاب محلية في الدوري والكأس.

مع المنتخب التونسي، شارك في نهائيات كأس العالم مرتين (1998 و2002)، وسجّل ما مجموعه 20 هدفًا دوليًا، ليصبح ثالث أفضل هدّاف في تاريخ المنتخب التونسي.

كمحترف في أوروبا :
تألق في الملاعب الأوروبية، لا سيما مع نادي فرايبورغ الألماني، حيث أصبح ثاني أفضل هدّاف عربي في تاريخ الدوري الألماني (البوندسليغا)، بفضل أدائه الثابت وأهدافه الحاسمة.


 كمدرب :
قاد منتخب تونس للشباب (أقل من 20 سنة) إلى نهائيات كأس العالم 2023، بعد غياب دام 38 سنة عن المشاركة.
أوصل المنتخب إلى نصف نهائي كأس أمم إفريقيا للشباب، مقدمًا أداءً نال إشادة المتابعين والنقاد، وبرز كأحد المدربين الواعدين في الساحة التونسية.

التأثير :

لا يقتصر دور عادل السليمي على ما أنجزه من ألقاب أو أرقام، بل يمتدّ إلى تأثيره العميق على جيلٍ كامل من اللاعبين والمدرّبين في تونس.
 فقد أصبح نموذجًا يُحتذى به، بفضل مسيرته التي جمعت بين النجاح في الملاعب الأوروبية والالتزام بالعمل الفني والتربوي داخل الوطن.
عرف عنه قربه من اللاعبين الشباب، وقدرته على التعامل معهم نفسياً وفنياً، مما جعل العديد من الأسماء الشابة تشقّ طريقها بثقة في عالم الاحتراف.
 كما أن أسلوبه التواصلي الهادئ ومواقفه المتّزنة جعلاه محل احترام الصحافة الرياضية، حتى في اللحظات التي كانت فيها النتائج غير مُرضية.
وقد اعتبره كثيرون من المحللين الرياضيين من المدربين القلائل الذين يجمعون بين التجربة الدولية والفكر الكروي الحديث، مما يجعله مرشحًا دائمًا للعودة إلى قيادة المنتخبات الوطنية في المستقبل، أو لتقلّد مناصب فنية عليا في إدارة كرة القدم التونسية.

عادل السليمي هو شخصية رياضية تونسية فريدة: أسطورة مهاجم، وقدوّة مدرب تسعى لبناء المستقبل، ورمز لعلاقة متجددة بين الأجيال. 
رغم تقلبات المسيرة، يبقى أثره حاضرًا في ذاكرة تونس الكروية. 
طريقه، ليس للطول فقط، بل لضخامة الدرس والعطاء المنطقي، ما وضعه في قلب قصة كروية تأبى أن تنسى سيرة من رفع علم تونس في الملعب، ثم في المدرّب الشبابي، وأخيرًا في القلب الرياضي، وبلاد كلها تطمح للمزيد.



تعليقات