في عالم التمثيل، هناك من يمرّون مرور الكرام، وهناك من يتركون بصمة لا تُمحى، وكمال التواتي ينتمي إلى الفئة الثانية.
ممثل تونسي قدير، استطاع على مدى أكثر من أربعة عقود أن يفرض اسمه كواحد من أبرز وجوه الدراما والمسرح والسينما في تونس.
بموهبته الفطرية وحضوره الطاغي وأدائه الصادق، نجح في ملامسة قلوب الجماهير ونقل تفاصيل الإنسان التونسي البسيط والمعقّد في آنٍ واحد.
من هو كمال التواتي؟
وُلد كمال التواتي يوم 22 فبراير 1952 في العاصمة تونس، في حي شعبي من أحيائها العريقة.
منذ صغره، أبدى ميولاً للفن والأداء، فانخرط في المسرح المدرسي ثم انتقل لدراسة الفنون الدرامية.
لم يكن طريقه مفروشاً بالورود، لكن شغفه بالفن جعله يُصر على الاستمرار والتطور.
بدأ مشواره المهني في السبعينيات، وكانت بدايته الفعلية في السينما من خلال فيلم "رسائل من سجنان" (1974) للمخرج عبد اللطيف بن عمار، وهو عمل تناول قضايا سياسية واجتماعية حساسة. ومنذ تلك اللحظة، أثبت التواتي أنه ليس ممثلاً عادياً، بل فنان يحمل رسالة.
في التلفزيون : اسم لا يُنسى
لا يمكن الحديث عن كمال التواتي دون التوقف عند تجربته الغنية في المسلسلات التونسية، خاصة دوره الشهير في مسلسل "شوفلي حل" الذي يُعد من أكثر الأعمال شعبية في تاريخ الدراما التونسية.
أدّى فيه دور "سي البشير"، الرجل الإداري الصارم في المظهر، الطيب في الأعماق، وقد تحوّل هذا الدور إلى رمز ثقافي في المخيلة الشعبية التونسية.
كما شارك في مسلسلات أخرى لاقت نجاحاً جماهيرياً واسعاً مثل:
نسيبتي العزيزة
الأستاذة ملاك
الفوندو
دار الوزير
عند عزيز
الوتيل
دار الخلاقة
زنقة الباشا
النوبة
هذه الأعمال أكّدت تنوع قدراته، بين الكوميديا والدراما والإنسانيات، وجعلت منه وجهاً مألوفاً ومرحباً به في كل بيت تونسي.
في المسرح: خشبة تعرفه جيداً
رغم نجوميته في الشاشة، لم يتخلّ كمال التواتي يوماً عن المسرح، الذي يعتبره قاعدته الأساسية.
قدّم العديد من المسرحيات الناجحة التي تميزت بقوة النص وجمال الأداء وعمق المواضيع، ومن أبرز أعماله المسرحية:
1974: مسرحية الكرِّيطة
1993: مسرحية فاميليا، نص وإخراج الفاضل الجعايبي
1999: مسرحية ضد مجهول، نص وإخراج توفيق الجبالي
2004: مسرحية كلام الليل، نص وإخراج توفيق الجبالي
2015: مسرحية «وان مان شو» إن...عاش
يتميّز أداء التواتي المسرحي بالارتجال المحسوب، والتفاعل الحيّ مع الجمهور، وهو ما جعل عروضه تترك أثراً عاطفياً كبيراً على الحاضرين.
في السينما: حضور ناضج وأدوار جريئة
كمال التواتي لم يغب عن السينما التونسية، بل شارك في أعمال بارزة تركت صدى كبيراً لدى النقّاد والمشاهدين. : رسائل من سجنان للمخرج عبد اللطيف بن عمار
1986 : الكأس للمخرج محمد دمق: راشد
1990 : فيلم عصفور السطح للمخرج فريد بوغدير: الحلاق
1991 : فيلم شيشخان
1992 : غبار الألماس للمخرجين محمود بن محمود وفاضل الجعايبي
1992 : يا سلطان المدينة للمخرج المنصف ذويب: سرجان
1992 : دعوة مميزة جدا: العطار
1994 : صمت القصور للمخرجة مفيدة التلاتلي: حسين
1995 : مدام باترفلي للمخرج فريدريك ميتيران: عم ياكوسيداي
1996 : السحر للمخرج عز الدين المليتي: والد سيزار
1997 : المرأة التونسية للمخرج النوري بوزيد: صلاح
1998 : الوليمة للمخرج محمد دمق
1998 : يا أبيض يا أسود للمخرج أنور بن عيسى
2008 : شوفلي حل للمخرج عبد القادر الجربي: الدكتور سليمان الأبيض
2014 : يوم بلا إمرأة للمخرجة نجوى سلامة
2019 : قبل ما يفوت الفوت للمخرج مجدي لخضر: حسان
2021 : فريدة
2021 : بسكلات: الأب
2023 : سبق الخير للمخرج قيس شقير : رئيس الحكومة
2024: سوبر تونسي للمخرج قيس شقير: رئيس الحكومة
2025 : بوليس للمخرج مجدي السميري: رشيد
تميّزت اختياراته السينمائية بالجرأة والعمق، بعيداً عن الأدوار التجارية أو السطحية، ما جعله يُحسب ضمن الفنانين الملتزمين بقضايا الفن والمجتمع.
شخصيته وأثره :
بعيداً عن الأضواء، يُعرف كمال التواتي بتواضعه الكبير وبعلاقته الطيبة مع زملائه وجمهوره.
يصفه البعض بـ"المدرسة في الأداء" و"المرآة التي تعكس وجوه التونسيين"، إذ يجسّد في أدواره هموم المواطن البسيط، ويطرح أسئلته الكبرى بصدق وفن.
إرث فني للأجيال :
كمال التواتي ليس مجرد ممثل، بل هو ذاكرة فنية حيّة، يُعد من بين القلائل الذين استطاعوا أن يجمعوا بين النجاح الجماهيري والاحترام النقدي.
ما قدّمه للتلفزيون والمسرح والسينما سيظل مرجعاً لكل فنان تونسي يسعى إلى الأصالة والتأثير.
وبين الماضي والحاضر، يواصل كمال التواتي كتابة فصول جديدة من مسيرته، مؤكداً أن الفن الحقيقي لا يعرف نهاية، بل يتجدد كلما صدق الفنان في أدائه.